القائد أوجلان والسلام في السودان... رؤية تحررية تنسجم مع الواقع المأزوم
أكدت المديرة التنفيذية لمنظمة "كيان" لتمكين المرأة مريم حامد أحمد، دعمها لمقاربة القائد عبد الله أوجلان عن الأمة الديمقراطية ودعوة "السلام والمجتمع الديمقراطي"، واعتبرت أن رؤيته قابلة للتطبيق في السودان والدول المتأثرة بالحروب.
مالفا محمد
مركز الأخبار ـ دعت المديرة التنفيذية لمنظمة "كيان" لتمكين المرأة مريم حامد أحمد، إلى تطبيق الديمقراطية التشاركية لضمان صوت الفئات المهمشة، وانتقدت تهميش النساء في مفاوضات السلام رغم مشاركتهن الفعلية في الثورات والعمل المجتمعي.
أكدت مريم حامد أحمد اللاجئة السودانية المقيمة في أوغندا، والمديرة التنفيذية لمنظمة "كيان" لتمكين المرأة، خلال حوار لها مع وكالتنا، على أن النساء أكثر من دفعن ثمن النزاعات والحروب، مشددة على أن السلام الحقيقي يجب أن يكون شاملاً.
في مجتمعاتٍ أنهكتها الحروب والنزاعات كفلسطين وسوريا واليمن والسودان وغيرها، هل يكفي أن نُسكت صوت الرصاص لنتحدث عن السلام؟ وكيف يمكن تحقيقه؟
السودان يعاني من نزاعات وحروب مستمرة منذ عام 2003، بدءاً من أزمة دارفور، وصولاً إلى أحداث نيسان 2015، هذه الحروب أثّرت بشكل عميق على حياة النساء، وانتهكت حقوقهن، وأدت إلى فقدان عددٍ كبيرٍ من الأرواح من بينهن.
أتمنى أن ينعم السودان بسلامٍ حقيقي لا تخرقه أصوات الرصاص، وأن يكون سلاماً دائماً، تُشارك فيه المرأة بكل قوة في صنع القرار، فوجود المرأة في مواقع اتخاذ القرار يُعزز فرص التعايش السلمي، ويضمن سلاماً نابعاً من المجتمع نفسه.
السلام في السودان اليوم لا ينبغي أن يكون اتفاقاً شكلياً تُبرمه النخب السياسية أو القوى المتحاربة وحدها، بل يجب أن ينبع من المجتمع ذاته، من آلامه وتجارب من اكتوى بنار الصراعات.
أنا على اطلاع على التجربتين السورية واليمنية، وهناك التفاعل مع النسويات والناشطات من هناك، أدركنا أن أخطاء كثيرة وقعت بسبب تغييب صوت الناس، ولا سيما النساء والشباب، لهذا علينا نحن أن نتحرك من الداخل، من المجتمع، لنصنع سلاماً حقيقياً يعكس تطلعات الشعب، إن السلام القاعدي هو السبيل؛ ذلك السلام الذي يُشرك النساء، والشباب، وكل المتضررين من الحروب، لا أن يُفرض عليهم من الخارج، السلام الذي يعالج الجراح، ويستمع لصوت المعاناة، ويُبنى بمشاركة فعلية من كل فئات المجتمع.
كثيراً ما يُطرح السلام بوصفه هدفاً سياسياً، لكن ما الدور الذي تلعبه الديمقراطية التشاركية لصياغة سلام حقيقي لا يُعيد إنتاج الاستبداد؟
الديمقراطية التشاركية تُمكّننا من بناء سلام عادل وشامل، إذ تضمن إشراك جميع الفئات المهمشة في المجتمع، وخاصة النساء والشباب، في عمليات صنع السلام، فهذا النوع من السلام لا يكون مركزياً، بل ينبع من القاعدة، ومن واقع الناس وتطلعاتهم.
نحن النساء السودانيات، القادمات من بلد مزقته الحروب، وضعنا أجندة نسوية تعبر عن احتياجاتنا وتطلعاتنا كنساء، إلا أن هذه الأجندة لم تجد طريقها لتكون جزءاً من أجندة المفاوضات السياسية، وهنا تكمن أهمية الديمقراطية التشاركية، التي تتيح إمكانية اقتباس صوت النساء والأصوات المهمشة، وإدماجها في عملية السلام، بما يضمن أن يكون السلام شاملاً وحقيقيًا، لا يُقصي أحداً.
برأيك لماذا يُعد تمكين المرأة شرطاً بنيوياً في قيام مجتمع ديمقراطي حقيقي، وليس مجرد مسألة مساواة حقوقية؟
في السودان، ومنذ اندلاع حرب 15 أبريل، كان استهداف النساء واضحاً منذ اللحظة الأولى؛ فقد تم توثيق أول حالة اغتصاب مباشرة بعد إطلاق أول رصاصة، ووفقاً للتقارير الحقوقية، بلغ عدد النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب حوالي 8000 امرأة، إضافةً إلى آلاف الأرامل والنساء اللواتي فقدن أحباءهن وتحملن مسؤولية إعالة أسرهن بعد أن دفعن الثمن الأكبر للحروب.
لا يمكن لأي مجتمع أن ينهض دون النساء، ومع ذلك، عندما يحين وقت التفاوض وصنع القرار، غالباً ما يتم تهميشهن بسبب عقلية المجتمع الذكوري السائدة التي تنظر إلى النساء من منظور تقليدي وقاصر، نحن لا نريد في السودان مشاركة شكلية للنساء تحت ما يسمى بـ "الكوتا" أو النسبة المخصصة للمرأة كالـ 40%، هذه النسب، وإن بدت مشجعة، تتحول إلى مجرد أرقام لا تجد طريقها إلى التطبيق الحقيقي، حتى في الأوساط المدنية، كثيراً ما يتم استبعاد النساء من المراكز الفاعلة وصنع القرار.
لقد عملنا، نحن النساء السودانيات القادمات من واقع النزاعات، على صياغة رؤى وأجندات تعبر عنا، ولكنها لم تجد حظها من القبول والاندماج في المسارات السياسية. لذلك، نطالب اليوم بمشاركة حقيقية وفعالة، لا تُقاس بالأرقام بل تُقاس بالأثر والحضور والتأثير.
وسط فشل النماذج القومية في احتواء التنوع، تبرز مقاربة "الأمة الديمقراطية" التي طرحها القائد أوجلان بوصفها تصوراً مختلفاً... كيف يمكن لهذا المفهوم أن يواكب التعددية المذهبية والإثنية في الشرق الأوسط وأفريقيا؟
بالنسبة لي، فإن فكر عبد الله أوجلان لا يرتبط بجغرافيا محددة، بل يُقدم رؤية شمولية قابلة للتطبيق في سياقات متعددة، وإذا ما أسقطنا هذه الرؤية على واقع بلدان مثل السودان، التي تعاني من الحروب والانقسامات، فإننا نجد أن النساء كن في طليعة المبادرات المجتمعية، وطرحن رؤى جادة لتحقيق السلام والاستقرار.
تجربة السيد أوجلان تضع حرية المرأة كشرط أساسي لتحرّر المجتمع بأكمله، وكما قال "لا يمكن أن تتحقق حرية المجتمع دون أن تتحقق حرية المرأة"، من هنا، فإن تمكين النساء وإشراكهن في صناعة القرار هو حجر الأساس لبناء مجتمعات عادلة وحرة.
فلو نظرنا إلى التطبيق الخاص بها في السودان، أو مثلاً في المناطق المهمشة، حتى أفريقيا والشرق الأوسط، نجد أنه يمكن أن نطبقها على المجتمعات الخاصة بنا، ويمكن أن تبدأ الناس تعمل عليها، خصوصا النساء.
كيف تقيمين دعوة السلام والمجتمع الديمقراطي التي أطلقها القائد أوجلان مؤخراً، وما الذي يجعلها مشروعاً تحررياً شاملاً؟
ما يجعل هذه الرؤية مشروعاً تحررياً شاملاً هو أنها تنطلق من مبدأ أساسي، ألا وهو قوة المجتمع تبدأ من قوة المرأة، وحريتها هي الأساس للوصول إلى حياة مدنية ديمقراطية حقيقية، إن تحقيق التحوّل المدني الديمقراطي يتطلب نماذج قابلة للتطبيق، حتى في سياقات الحروب والنزاعات مثل فلسطين وسوريا واليمن والسودان، حيث تعاني المجتمعات من التهميش والاستبعاد الطويل.
إن تبنّي هذه الرؤية يمنح المجتمعات المهمشة دفعة قوية نحو النهوض، خاصة حين يتم ربطها بالديمقراطية التشاركية، التي تضمن إشراك جميع الفئات، وعلى رأسها النساء، في عمليات صنع القرار.
بذلك، تُصبح الديمقراطية التشاركية أداة استراتيجية لبناء السلام من القاعدة، وتعزيز العدالة الاجتماعية والسياسية، وتمكين المجتمع من الداخل، ليصبح قادرًا على مقاومة العنف والانقسامات، وتحقيق مستقبل يليق بجميع أبنائه.
بعد اطلاعي على الحالة وتعمقي في تفاصيل الموضوع، تولّدت لديّ قناعة بأن الوقت قد حان لإطلاق حملة تهدف إلى تحسين الظروف الخاصة به، وتكون منطلقا للمطالبة بإطلاق سراحه، هذه الحملة يمكن أن تتوسع لتشمل دولاً أخرى، وتنشأ على أساس التضامن الإنساني والعمل المشترك من أجل تحقيق العدالة، ولكن نجاحها يتطلب مناصرة قوية وجهوداً كبيرة في التعبئة والحشد.
ينبغي أن تتكاتف جميع القوى وتُسهم في إيصال فكرته إلى أكبر عدد ممكن من الناس، لأن اتساع نطاق الدعم هو العامل الأساسي لتحقيق التأثير المطلوب وكسب التأييد للقضية.
في الوقت الراهن، يسعى جميع السودانيين والسودانيات، سواء كانوا في مناطق النزوح أو الشتات، إلى تحقيق السلام، فهو الهدف المشترك الذي يوحد تطلعاتهم، على المستوى الشخصي، حين يُطرح سؤال حول ما يعنيه السلام بعد الانتخابات، أقول ببساطة، أريد أن أعود إلى الخرطوم، إلى بيتي، إلى حياتي.
الجميع يفكر في السلام، ولكن عندما ننتقل من التطلعات إلى أرض الواقع، نكتشف أن مفهوم السلام يختلف من شخص إلى آخر، حسب الرؤية والتجربة، ولهذا فإن بناء السلام يتطلب جهداً مضنياً وعملاً متواصلاً، من أجل تأسيس سلم مجتمعي حقيقي، فالحرب الحالية في السودان لا تقتصر آثارها على إطلاق النار أو المساعدات الإنسانية أو الممرات الآمنة؛ بل إنها مزّقت النسيج الاجتماعي ودمّرت بنية السودان على المستوى الإنساني والوطني.
إن بناء السلام الواقعي يبدأ من جهود النساء، ويستند إلى طاقات الشباب، ويشمل إشراك المجتمع بأكمله، وهذا يتطلب معالجة جذور الأزمة، التي كانت أحد الأسباب الأساسية لاشتعال الحرب، وهنا تعود أهمية الديمقراطية التشاركية، إذ إن السلام في السودان غالباً ما يُصاغ من مركز السلطة دون إشراك فعلي للمجتمعات المحلية، ولا للنساء أو الشباب، وإذا أردنا سلاماً حقيقياً، علينا أن نكسر هذا النمط المركزي، ونفتح المجال أمام أصوات الناس، لنُعيد بناء السودان من جذوره.
برأيك كيف ستكون شكل المبادرة التي ستأخذها نساء السودان لتطبيق وتحقيق دعوة "السلام والمجتمع الديمقراطي"؟
بالنسبة لي، تُعد هذه الرؤية خطوة ممتازة، ويمكن تطبيقها على المجتمع السوداني بشكل واقعي، ففي الوقت الراهن، نلاحظ أن النساء والرجال السودانيين، خاصة السودانيات، منخرطات في تنظيمات نسوية نشطة؛ حيث توجد ما بين 10 إلى 12 مجموعة نسوية تعمل في مختلف السياقات السودانية. هذه المجموعات تشكل نواة حقيقية لحراك نسوي قادر على إطلاق مبادرات قوية وفعالة.
فعلى سبيل المثال، أنا جزء من منصة تُدعى "Peace for Sudan Platform"، وهي تضم أكثر من 56 منظمة تعمل جميعها في السياقات المتعددة داخل السودان، هذه المنظمات ممثلة ضمن المنصة وتشمل مجموعات مثل "نساء ضد الحرب" و"حملة نساء ضد الظلم"، النساء السودانيات أثبتن أنهن قادرات على أخذ زمام المبادرة والعمل بجدية في سبيل بناء السلام والدفاع عن حقوق المجتمع، ولا سيما في ظل التحديات التي تواجه البلاد.